روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات أسرية | أسرتي.. تأكلها الأحزان!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات أسرية > أسرتي.. تأكلها الأحزان!


  أسرتي.. تأكلها الأحزان!
     عدد مرات المشاهدة: 2547        عدد مرات الإرسال: 0

السؤال:

أعيش في جو أسرة تسودها المشاكل والأحزان التي لا تنتهي على طول الطريق، وأعتقد أن كثيرا من أهدافي لم يتحقق بسبب هذا الألم والحزن؛ فالأب تاجر بخيل سيئ الأخلاق وبذيء اللسان، هكذا الواقع، لن أبالغ.. لا يصرف على أبنائه، ويكرهونه ويتمنون موته، وأحد إخواني لا يكلم أبي منذ سنوات، وأخواتي يعشن مشاكل عائلية مع أزواجهن، وأمي تعاني من ضغوط نفسية جراء هذه المشاكل، ولا يفارق الهم رأسها حتى جسدها ذبل... وأنا أحاول أن أصلح وأسدد وأقارب في خضم هذه المشاكل والأزمات النفسية، ومازلت وسأظل- بإذن الله- على هذا الطريق، فقد خلقنا في (كبد)، لكن أشعر بالحزن عندما أقارن نفسي بتلك العوائل التي يسودها الحب بين الأبوين والأولاد والالتحام والحميمية والوفاء (يا سلام..!!) ليتني كنت منهم! لكن ربك يقضي ما يشاء ويختار.. (أرجو عند حل المشكلات ألا نتكلم من أبراج عاجية)!

الجواب:

أخي الكريم (بارك الله فيك وأعانك): مشكلتك تتلخص في أنك تعيش وسط أسرة تعاني من بخل والدك وسوء عشرته معكم ومع والدتكم، كما يتضاعف حزنك عند مقارنة أسرتك بالأسر الأخرى المستقرة المتآلفة.

ومع هذا الحزن والهم لكنك تثابر وتصابر، وتسدد وتقارب، في خضم هذه المشكلات والأزمات النفسية، وتعبّر حروفك عن صبر جميل على أقدار الله جل وعلا.

ومن هذه المنطلقات والمعطيات، وبعيدا عما تصفه بالأبراج العاجية أقول لك:

إن حل مشكلتك- بعون الله تعالى- يتم من خلال سبيلين:

منطلقات إيمانية روحية تنبع من داخلك، ووسائل عملية واقعية تستعين بالله على تخفيف المحنة بها.

فأما الأول: فأراه- بحمد الله- بين يديك،، بوصفك أنت وبلسان حالك، حيث يفوح من ثنايا سطورك شذا الإيمان، وعبير الأمل: (ربك يقضي ما يشاء ويختار)، (أحاول أن أصلح وأسدد وأقارب... ومازلت وسأظل- بإذن الله- على هذا الطريق). فاستمسك بذلك وعض عليه بالنواجذ، فإننا لا نستطيع أن نواجه محن الحياة بمعزل عن أقوى أسلحتنا التي وهبها الله إيانا: الإيمان والصبر والدعاء.

فالمنطلق الأول إذن من منطلقات حل مشكلتك هو:

إيمانك بأن «ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك» كما أوصى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما. واعلم- أُخَيَّ- أن هذا المنطلق ليس حلا لمشكلتك وحدها، ولا لك وحدك، بل هو أساس كل خير في هذه الحياة لمن وعاه، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (أساس كل خير أن تعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن).

وتذكر كذلك أخي- وأنت شاب تبدو من حروفك بشاشة الإيمان واليقين- أن ما تشتكيه- رغم قسوته- يتضاءل أمام محن أشد وطأة في بيوت أخرى، وكما أنك تنظر إلى بيوت أحسن حالا من بيتكم فانظر إلى بيوت أخرى تعاني من الإدمان والمخدرات، وبيوت يتجاوز الأذى فيها ما ذكرت من بخل وسوء خلق إلى ما هو أشد بكثير، فجدير بك أن تتذكر وتتصبر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم. ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تَزْدروا نعمة الله عليكم». متفق عليه.

فإذا اتخذت هذا المنطلق الإيماني- أخي الكريم- تنظر به إلى محنتك، وتقارنها بما هو أشد منها؛ قطعت شوطا كبيرا في سبيل حل المشكلة أو التخفيف منها، بعون الله تعالى!

ثم اعلم- أخي- أن مع هذا المنطلق الأساس معينات يشدّ الله جل وعلا بها أزرك، من أهمها الدعاء، وما أدراك ما الدعاء! فليس شيء أكرم على الله من الدعاء، والدعاء يدفع البلاء، كما جاء في السنة أن «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل»؛ فلا تفتر عنه، ولا تستعجل الإجابة، بل اجعله ديدنا لك ولإخوتك ووالدتك الكريمة؛ أن تدعوا بهداية الوالد لمحاسن الأخلاق، وأن يصلح ذات بينكم، وبشرهم: فإما أن تعجل حاجتكم، وإلا فأنتم في خير يصل بعضه بعضا. والسيف بضاربه؛ فبقدر اجتهادكم في الدعاء يندفع البلاء كله أو بعضه، بحول الله وقوته! أضف إلى ذلك: لزوم الصبر الجميل والتواصي به مع أسرتك؛ حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا من الهم والكرب. «وما أعطي أحد عطاء أوسع من الصبر».

فهذه منطلقات إيمانية ومعينات روحية؛ تخفف مرارة المحنة بحلاوة الإيمان والصبر واليقين، وتبث في نفوسكم الأمل بدعاء الله ورجائه والثقة به سبحانه.

أما الوسائل العملية (التي تنزل بنا من الأبراج العاجية إلى أرض الواقع، على حد وصفك) فأوصيك بما يلي:

* أول ما أحثك عليه وأسرتك- وقد تستغرب- هو الإحسان إلى والدك، ومقابلة إساءاته بالإحسان؛ فإن الدفع بالتي هي أحسن علاج قرآني لا ريب فيه، كيف وهو الوالد، وله عليك وعلى إخوتك حق عظيم معلوم؟! بل وعلى والدتكم الكريمة كذلك؛ فأوصها وإخوتك جميعا بعدم مقابلة إساءته بمثلها، والإعراض عن أذاه والصبر عليه.

* من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح! وأرى أن لديك همة وصبرا يشجعان على نصحك بالتقرب إلى أبيك، فدعك من الاحتكاك المباشر، والتعرض لسوء خلقه، وعليك بقضاء حاجاته دون احتكاك مباشر، وإظهار موافقته في بعض ما يصنع مما لا يجرح دينك، وغير ذلك من وسائل المداراة التي تغرس في قلبه قبولا نسبيا يتنامى شيئا فشيئا، والزمن جزء من العلاج.

* كما أوصيكم بالتواصل مع أقارب لكم عقلاء، لهم حظوة لدى أبيك، وذكر ما ينالكم من أذى؛ بحيث يتم بتلطف وحكمة الحث على حسن عشرة الأهل؛ من خلال أحاديث تدار دون تعيين شخص مقصود بها؛ فلربما خفف ذلك بعض الشيء من تسلطه عليكم. بل لا مانع إذا كان ثمة شخص مسموع الكلمة يتصف بالحكمة وحسن التصرف، وله على والدك تأثير قوي، أن تصارحه بمعاناتكم ليسعى في صلاح ذات بينكم.

* اعلم- أخي- أن حواجز العداوة والكراهية بينكم وبين والدكم، ليست من صنعه وحده! بل عليكم- للأسف- كفل منها. بل لعل إحساسه أنكم تنابذونه العداء، وتواجهونه بالنفور والصدود، هو أحد أسباب عناده وقسوته. وما بهذا أوصانا الوحي المطهر، بل أوصى بالإحسان حتى إلى الوالدين المشركين، فما البال ووالدك ليس كذلك؟!

فاستمسك بوصايا الوحي، وادفع بالتي هي أحسن، وخذ بما سبق من وسائل عملية، وغيرها مما يؤدي إليه اجتهادك وعلو همتك، وكن في ذلك كله متوكلا على الحي القيوم، مقلب القلوب، الذي لا يعجزه تحويل قلب أبيك إلى ما فيه صلاح شأنكم؛ {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.

وتابعنا بأخبارك... يسّر الله أمركم، وأصلح ذات بينكم.

الكاتب: خالد عبداللطيف.

المصدر: موقع المسلم.